الثلاثاء، 13 أبريل 2010

حل المشكلات خطوة خطوة

في هذا المقال سأتناول طريقة حل المشكلات خطوة خطوة، من خلال مثال من واقع الدور النسائية (وليكن مشكلة عنوانها مبدئيًا تسرّب الطالبات)، مع الإشارة إلى بعض التنبيهات اللازمة.

 لماذا يعد "تسرّب الطالبات" مشكلة: يوصف الأمر بأنه مشكلة إذا اتسم بإحدى سمتين:
  1. وجود تباين أو اختلاف بين الواقع الحالي (أو المستقبلي) وبين الهدف الذي تسعى المؤسسة إلى تحقيقه.
  2. وجود عائق فأكثر يحول دون تحقيق هدف/أهداف المؤسسة على الوجه المطلوب.
انقطاع الطالبة الواحدة (أو العدد القليل) ليس مشكلة في حق الدار نفسها، كونه من الطبيعي أن تحصل بعض العوارض للناس ما يجعلهم لا يتمكنون من المواصلة، لكنه (أي الانقطاع أو الغياب) قد يكون مشكلة في حق الطالبة نفسها ولذا فإن تدخل إدارة الدار هو نوع من مساعدة الطالبة على تجاوز المشكلة بحيث تتمكن من تحقيق هدفها هي في الالتحاق بالدار وتلقي التعليم والتربية المقصودة.

 عند انقطاع عدد من الطالبات فهذا يعني أحد أمرين:
  • الأول: أن هناك مشكلة جماعية قد تكون الدار طرفًا فيها، ولا بد من حلها، لأن عدم الحل قد يعني انقطاع عدد أكبر أو انخفاضًا في عدد الملتحقات لاحقًا... وانخفاض العدد يعني أن الدار لم تتمكن من تحقيق هدفها في إيصال تعليم القرآن الكريم والتربية على تعاليمه إلى أكبر فئة في الحي
  • الثاني أن هناك مشكلة خارجية ليست الدار طرفًا فيها ولكنها لم تنتبه لها، ولم تراعها في بناء نظامها، وهو ما يعني أن مستوى مراعاة احتياج "العميل" منخفض. والطالبة هي العميل المستهدف بالخدمة في الدور النسائية.

الخطوة الأولى: إدراك المشكلة

هذه الخطوة تعني أن على المعني بإدارة منظمة ما أن يكون "لحاظًا" يقظًا ونبيهًا لإدراك مؤشرات المشكلة (قبل أن تصبح مشكلة). وذلك يكون على النحو الآتي:
  • توقع حدوث شيء من ذلك، بناء على (1) الإحساس، (2) الخبرة السابقة في منظمة مماثلة كدار نسائية أو مدرسة صباحية نظامية، (3) المعلومات التي جمعت عن واقع الدور النسائية، (4) القراءة في أدبيات إدارة المؤسسات التعليمية.
  • ملاحظة سجل الغياب، فتزايد عدد أيام غياب طالبة يعطي مؤشرًا بأنها قد تنقطع. كما أن مؤشر تزايد عدد الطالبات الغائبات يعطي تنبيهًا أيضًا.
  • ملاحظة التأخر المتكرر في حضور طالبة فأكثر، وربما كانت بعض أعذار بعضهن تساعد في توقع انسحابهن.
         تنبيه: الملاحظة قد تتوفر بناء على وجود مهارة فطرية وقد تأتي نتيجة ممارسة "المراقبة المنتظمة"

 ما الخطوات التي ينبغي أن تتخذ في مثل هذه الحالة؟
  • في حالة الطالبة الواحدة إلى ما دون 10% من مجموع عدد الطالبات، هذه تحال إلى العلاجات التي يقترحها مقرر "التوجيه والإرشاد" ويفترض أن تكون تلك العلاجات نافعة بإذن الله كونها اتخذت في وقت مبكر.
  • إذا لم تنفع تلك العلاجات، أو حصل تفريط في العلاج؛ لأنه لا يوجد مسؤولة معنية بالتوجيه والإرشاد أو لا تمارس عملها على الوجه المطلوب... ينبغي النظر إلى هذا الموضوع باعتباره مؤشرًا على حدوث مشكلة "تسرّب" وهنا تأتي قيمة التدخل السريع، وهو ما يسمى بـ"الإحساس بالمشكلة"
البعض قد لا ينتبه للمشكلة حتى تستفحل فتتفاجأ الدار بنقص عدد 10% من عدد الطالبات خلال الفصل الدراسي، فإذا تعاملت الدار مع الـ 10% على أنها مشكلة فهذا هو إدراك المشكلة، وإذا نظرت إليها على أنها ظاهرة طبيعية ولا تستحق القلق فهذا يعني أن مستوى إدراك المشكلة منخفض وهو مشكلة بحد ذاته.

الخطوة الثانية: تعريف المشكلة

تعريف المشكلة هو تعرف كنهها أو تشخيصها بتتبع أسبابها وظروف حدوثها ومعدل تكررها وصولاً إلى أسباب خفية (أحيانًا).
أحيانًا نلجأ إلى تعريف المشكلة من خلال وصفها، أو من خلال وصف الاختلاف بين الواقع والمأمول، ولكن بعد تعرف الأسباب وجمع المعلومات (كما في الخطوة الثالثة) قد نغير تعريف المشكلة إلى التعريف الذي يساعد على حلها.

ولذا، فإننا مبدئيًا سنعرف المشكلة بأنها تسرّب الطالبات، كون العدد يتناقص باطراد (سريع أو بطيء) ونحن ندرك أننا قد نغير التعريف لاحقًا.

الخطوة الثالثة: جمع المعلومات

في هذه المرحلة يتم جمع جميع البيانات والمعلومات (الداخلية والخارجية) التي قد تسهم في تفهم جوانب المشكلة وأبعادها وفي نفس الوقت قد تسهم في حلها. ولا تقتصر عملية جمع البيانات والمعلومات على مرحلة من المراحل بل تتم في جميع مراحل تحليل وحل المشكلات.
سنطبق بعض الأسئلة على مشكلة تسرّب الطالبات، بعض الأسئلة قد لا تكون مطابقة، وقد تكون هناك أسئلة مهمة غابت عن تحليلنا لهذه المشكلة.

  •  ما العناصر الأساسية التي تتكون منها مشكلة تسرب الطالبات؟
العنصر الأساسي، تناقص الفئة المستهدفة بخدمات الدار.
عناصر داعمة: مشكلات مادية تتمثل في: (1) وجود عدد من المعلمات أكثر من الحاجة، (2) وجود حافلات بسائقيها أكثر من الحاجة، (3) حدوث ربكة في انتظام الحفظ.
  • أين تحدث المشكلة؟
في جميع المستويات الدراسية باستثناء حلقة الأمهات، فهي أفضل حالاًَ.
  • متى تحدث المشكلة؟
تحدث في ثلاث فترات: (1) بعد مضي نحو شهر من الدراسة، (2) في فترات الاختبارات الشهرية، (3) في النصف الثاني من إجازة الصيف.
  • كيف تحدث المشكلة؟
         يبدأ انسحاب الدارسات بالتدريج، إلى أن يقف العدد على رقم محدود جدًا
  • لماذا تحدث المشكلة بهذه الكيفية وهذا التوقيت؟
         (1) بسبب ارتباط الدارسات بدراسة نظامية، (2) بسبب ارتباطهن بأسرهن أثناء السفر في الصيف، (3) تطرق الفتور إلى بعض الدارسات وانخفاض الدافعية، (4) انخفاض الشعور بأهمية الانتظام في الحلقة ( لا توجد شهادات، الشهادات محدودة الجدوى، يمكن تحصيل الأجر بحفظ القرآن في البيت)
  • لمن تحدث هذه المشكلة؟
          تحدث للمعلمات والإدارة على حد سواء.

وبالنظر في عرض إجابات الأسئلة يمكن التوصل إلى صيغة جديدة لعرض المشكلة، وهي
  1. عدم/ضعف جهاز التوجيه والإرشاد.
  2. عدم توفر معلومات كافية بالغياب في وقت مبكر
  3. شعور بعض الدارسات أو أهاليهن بأن الدراسة في الدور النسائية على هامش الاهتمامات
الصيغ الجديدة، يمكن تقييمها على أنها مشكلات، وعلى أنها أسباب أيضًا

الخطوة الرابعة: تحليل المعلومات

في هذه المرحلة يحصل نوع من تكامل المعلومات التي تيسر جمعها في الخطوة السابقة وذلك لوضعها في إطار متكامل يوضح الموقف بصورة شاملة.
وتحليل المشكلة يتطلب الإجابة على الأسئلة التالية :
  • ما العناصر التي يمكن والتي لا يمكن التحكم فيها لحل المشكلة؟
عناصر لا يمكن أو يصعب التحكم فيها: (1) ضبط سفر الأسر في الصيف، (2) المحافظة على قناعة المجتمع بقيمة الدراسة في الدور النسائية، (3) حب الطالبات للدور النسائية.

عناصر يمكن التحكم فيها: (1) دعوة أولياء الأمور لإعطاء معلومات تقريبية بشأن خطة السفر، (2) إنشاء وتقوية قسم التوجيه والإرشاد في الدور، (3) تحبيب القرآن والدراسة في الدور النسائية إلى الطالبات من خلال برامج ونشاطات.
  • من يمكنه المساعدة في حل تلك المشكلة؟
أولياء الأمور، المدارس الحكومية والمجاورة، بعض المؤسسات الدعوية.
  • ما آراء واقتراحات الزملاء والمرؤوسين لحل تلك المشكلة؟
هذه سأتركها للطالبات أنفسهن للإجابة على هذا السؤال
  • ما هي آراء واقتراحات الرؤساء لحل تلك المشكلة؟
وهذه أتركها لكن، فما الاقتراحات التي يمكنكن المشاركة بها في هذا السياق؟
  • ما مدى تأثير وتداعيات تلك المشكلة؟
استمرار تسرب الدارسات يعني انخفاض الإنتاجية وضمور الدافعية للاستمرار في العمل في الدار،
         وفي الوقت نفسه يعني أن الهدف الذي أنشئت له هذه الدار أو تلك لم يعد متحققًا كون المستهدفين بخدمة المؤسسة لا ينتمون إليها.


الخطوة الخامسة: اقتراح الحلول

يتم في هذه المرحلة وضع مقترحات وأفكار لحل المشكلة، تتسم هذه المقترحات بأنها "خيارات واحتمالات وبدائل"، ولكن لأي شيء كان كل هذا الوصف؟ لأن اقتراح الحلول من طرف الذهن يؤدي غالبًا إلى عدم حل المشكلة؛ كون هذه الحلول تقليدية وسطحية، وقد أظهرت التجربة في المرات السابقة أن المشكلة لم تحلّ، وقد قيل: "من الحماقة أن تفعل نفس الشيء بنفس الطريقة وتنتظر نتائج مختلفة"

لذا يجب أن تكون الحلول مبتكرة (ليست خارقة، ولا مبتكرة على الإطلاق، وإنما جديدة على مستوى الحلول المجربة التي لم تنفع). تجدر الإشارة إلى أن بعض الاقتراحات التي م تنفع مرشحة لأن تكون حلولاً ابتكارية، لكن الذي جعلها لم تنفع أنها نفذت بطريقة تقليدية

اقتراح الحلول (أو الخيارات والاحتمالات والبدائل) تعني أن هناك عصفًا ذهنيًا جماعيًا أو فرديًا لإنتاج أكبر قدر من الحلول؛ وفقًا لقواعد "العصف الذهني".

من الحلول المقترحة:
  • تفعيل جهاز التوجيه والإرشاد، وإسناد مهمة متابعة الحضور إليه
  • إنشاء قسم مبتكر باسم "الدعم الطلابي" يؤدي أدوار الإرشاد الطلابي بطريقة مبتكرة
  • رفع مستوى القلق من تغيب الطالبة لمرة واحدة، واتخاذ التدابير اللازمة فورًا
  • تبني مفهوم "التعليم النشط" داخل الحلقات؛ لزيادة شعور الدارسات بقيمة انضمامهن للدار
  • تبني خطط ونشاطات "تحبيب القرآن إلى الدارسات"
  • تنظيم نشاطات وبرامج تتعلق بالدافعية: إيجاد الدافعية، تجديد الدافعية، المحافظة على الدافعية
  • تنظيم نشاطات وبرامج في "النجاح: الشخصي والدراسي" لأن النجاح يولد النجاح
  • إدخال بيانات الطالبات الشخصية والدراسية والانتظام والسلوك آليًا، وفق برامج حاسوبية تعطي تقارير دورية متقاربة
  • تطوير نظام الاتصال والتواصل مع أولياء الأمور، وترغيبهم في تزويد الدار بخطط الانقطاع أو التغيب.
  • تنمية القناعة بقيمة الدراسة في الدور النسائية لدى العاملين في الدار والأسر المستهدفة
  • بناء نظام متين للدار يعكس قيمة الالتحاق بها، يتسم بالضبط والحزم... ويصحح مفهوم أن "التطوع لا يعني الفوضوية أو للا مبالاة"
  • وضع نظام حوافز وعقوبات يلتزم به الجميع، وتشعر به الطالبة وأسرتها مع بدء كل دورة دراسية
  • وضع نظام "الرسوم الدراسية العالية القابلة للاسترداد" ويكون جزء من عدم الاسترداد مرده إلى الغياب.
  • تنظيم برامج تطويرية للطالبات في كيفية إدارة الوقت وإدارة الضغوط... تحسبًا لتعارض الاختبارات الصباحية مع نظام الدار.
  • ...
  • ...
  • ... الخ
يلاحظ أن عددًا من الاقتراحات أفضل من بعض، كما أن بعضها يتطلب مزيدًا من التطوير، لكن بعضها يتميز بأن الأخذ به يحل أكثر من مشكلة داخل الدار، وبالتالي فعلينا أن نضع الكليات في الدرجة الأولى.

الخطوة السادسة: تقييم الحلول

عادة توضع تقنينات معينة لتقييم الحلول، وفي مثالي الحالي سأكتفي بالإشارة إلى فكرة تقييم الخيارات والبدائل، وأترك تقييم الحلول المذكورة أعلاه لكنّ. في هذه المرحلة نرفع شعار أن العبرة ليست بكثرة الحلول ولا بالحل الكامل المطلق، وإنما العبرة بشيئين:
أفضل الحلول المتاحة، والالتزام بها.

الخطوة السابعة: التنفيذ

خطوة النفيذ الحقيقية والعملية تعني شيئين أساسين:
  • الالتزام بالحل المتفق عليه، مهما تضمن الحل من متطلبات متعددة، دام أنه جرى التوصل إلى الحل عن طريق التقييم الصحيح.
  • وضع خطة تنفيذية محددة المعالم، وبخاصة وقت البداية والنهاية والأطراف المعنية بالحل.
بهذه الشكل نكون قد وصلنا إلى الخطوة الأخيرة في حل المشكلات، ويبقى بعض التحديات في أساليب حل المشكلات أو التردد في اتخاذ القرار، بعض الأخطاء في حل المشكلات... وهي ما سيفرد له درس مستقل



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق